عملية المص هي إحدى الغرائز الطبيعية الأولى التي يمارسها الأطفال، فمص الإصبع يهدئ الطفل··· ومعظم الأطفال يبدؤون المص قبل بلوغهم الشهر الثالث، وقد يستمرون حتى سن المدرسة·
وهناك العديد من العادات التي يألفها الطفل منذ صغره وربما تأصلت في نفسه مع كبره، والتي يمكن أن ينتج منها مشكلات عديدة على الصعيد الجسمي أو النفسي، وتحتاج مثل هذه العادات لانتباه الوالدين، ومحاولة القيام بعلاج هذه العادات قبل تأصلها وتحولها إلى حالة مرضية·
إن أغلب هذه العادات تكون في منطقة الفم والأسنان، كعادة مص الإصبع واللهاية، وعادة مص الشفة، وعادة دفع اللسان، وعادة قضم الأظافر، إلا أن عادة مص الأصابع تشكل النسبة الكبرى من هذه العادات، إن المص ليس آلية لتلقي الغذاء فقط، بل كذلك يفيد في منح الوليد شعوراً بالسيادة والنشوة، إن الوليد يملك طاقات كافية تفوق ما قد يتصوره إنسان ويحتاج إلى صرفها، ولا يستطيع في هذه المرحلة المبكرة من عمره أن يصرفها إلا عن طريق هذه الآلية لكونه لا يقدر على الكلام أو الحبو، فإن توفرت له الفرصة لصرف هذه الطاقة من خلال الرضاعة الطبيعية مع دفء وحنان الأم، فإن هذه الطاقة تصرف وبشكل طبيعي، ولكن الذي يحدث في هذا العصر، عصر السرعة وعمل المرأة، إن تعمد الكثير من الأمهات إلى استعمال الزجاجة البلاستيكية بديلاً عن حليبها وحنانها، وبالتالي لا يستطيع الطفل صرف طاقاته الكامنة فيصرفها بالطريق الوحيد الممكن لديه وهو المص وبخاصة مص الإصبع·
ولا شك أن الطفل يريد شيئاً من وراء هذه العملية، فإذا كان يكثر من مص إبهامه قبل دقائق من تقديم الطعام فهذا يعني أنه جائع·
وأفضل وقت لأن نعير الاهتمام بمص الإصبع هو عندما يبدأ الطفل محاولاته الأولى، لا بعد أن ينجح في محاولاته، ذلك أن الأطفال لا يمكنهم السيطرة على حركة أذرعهم وأرجلهم خلال الأشهر الأولى، فواحدهم يجاهد لرفع يديه فاتحاً فمه باحثاً عنهما، وإذا أسعفه الحظ والتقط إحدى يديه فإنه يروح بمصها بقوة ما دامت داخل فمه·
والأشهر الثلاثة الأولى هي الفترة التي يحتاج خلالها الطفل لأكبر قدر من المساعدة، لأن حاجته إلى المص تكون في أوجها··· وبعد انقضاء تلك الفترة تأخذ حاجته إلى المص تقل شيئاً فشيئاً إلى أن تزول لدى معظم الأطفال ما بين الشهرين السادس والسابع، والاستمرار بعد هذه الفترة ما هو إلا دليل على التسلية·
يخاف الأهل من عادة مص الأصابع، ويزداد خوفهم بعد سماع الأحاديث التي تبين ما يمكن أن تحدثه هذه العادة من أضرار، وخصوصاً في مجال تشوهات الفم والأسنان، فيحاولون منعها على الأغلب بوسائل تعتمد التوجيه المباشر، والشدة والعنف، مما يسيء للطفل أكثر من العادة نفسها فيجعله أكثر تشبثاً بها·
إن عادة مص الأصابع عند الأطفال من العادات الشائعة المألوفة في جميع أنحاء العالم، فالطفل قد يمص أي إصبع من أصابعه، وقد يمص أكثر من إصبع واحد أحياناً، كما أنه قد يمص جزءاً آخر من يده أو رسغه أو القسم الأسفل من ساعده، وقد يعتاد أن يرافق عادة المص بعادة أخرى، يجريها باليد الثانية، كشد الأذن، أو الشعر، أو حك الأنف، بالإضافة إلى مص الأصابع·
وقد يعتاد الطفل مص >اللهاية< إن أعطيها في وقت مبكر، لتلهيته بها عندما يبكي، وحكم مص اللهاية كحكم مص الإصبع، ولا شك أن المص منعكس غريزي طبيعي، وبواسطته يستطيع الوليد الحصول على الحليب من ثدي أمه، ولكن لِمَ يحتاج الطفل إلى المص، ويولع به دون هدف غذائي؟
ولأطباء النفس آراء كثيرة منها:
1 ـ إن عادة مص الإصبع عادة مفيدة هادفة، يجد فيها الطفل الراحة والتهدئة والتسلية·
2 ـ إن عادة مص الإصبع هي عادة تطورية مرحلية·
3 ـ إن عادة مص الإصبع هي عادة تعويضية·
فما الموقف السليم؟ يرى المختصون فى النمو والتطور لدى الأطفال ما يلي:
1 ـ أن عادة مص الأصابع عادة تطورية، تشاهد عند الوليد، وتخف في الأشهر التالية·
2 ـ لا يجوز التدخل مطلقاً في هذه العادة، أو محاولة معالجتها، مادامت في الحدود الطبيعية، لأن الطفل سيتخلى عنها بشكل عفوي·
3 ـ في حال ولع الطفل بهذه العادة، بعد دخوله السنة الثالثة من العمر، لابد من التفتيش عن السبب·
4 ـ لا يجوز أبداً اللجوء إلى التهديد أو المعاقبة، ولا يجوز بذل الجهد والتحمس الزائد لإيقاف عادة مص الإصبع·
5 ـ أن الخطر لا يكمن في عادة مص الإصبع، بل بما يفعله الأهل حيالها، فمص الإصبع قد يسبب بعض الألم للإبهام، وهذا كل ما في الأمر، وإن معظم الأطفال يتركون هذه العادة نهائياً، في الخامسة والسادسة وهذا الرأي يؤكد طبيعة مص الإصبع، وعدم ضرره، وإن الضرر ينجم فقط عن انتقاد الطفل الدائم، بغية إيقاف هذه العادة، وإن الطريقة المثلى في معالجة هذه العادة هي عدم التدخل المباشر فيها، بل معالجة أسبابها في حال إدمانها وزيادة الولع بها·