يحتل قصر التخزين موقعا في وسط بلدة نالوت القديمة. وهو مستطيل الشكل. ويبدو هذا القصر للناظر مشابها لبناء الحصن، إلا انه يختلف عنه بوجود فتحات صغيرة تتوزع على الجدار الخارجي، لتزويد الحجرات بالضوء والتهوية ولم يحظ هذا القصر بتفصيلات كثيرة من قبل الكتاب، الذين تعرضوا إلى ذكره. فيقول – موندادوري مثلا – ان القصر يبدو على هيئة قلعة ويتكون من 300 حجرة. وانه لا وجود لسلم داخل القصر، بل قطع صغيرة من الخشب مغروسة في الجدران. ويبلغ عرض كل حجرة وارتفاعها يبلغ متر واحد. وان محتويات هذه الغرف تتمثل في الشعير والقمح والزيت. وهي كافية لاسرة واحدة لمدة عام كامل.
(ان ثمة رجل يقوم بالحراسة في هذا القصر ووجوده كعدمه، لان أحدا لا يفكر في سرقة جاره. وعلى الرغم من ضيق المكان، فان اسواقا كانت تعقد بفناء هذا القصر. ولقد نشأت هذه الظاهرة منذ استسلم البربر على مضض للقوى المتغلبة. ولكن نالوت لم تعد اليوم قرية بربرية، بينما اريبط قصرها المحصن بكثير من الأساطير). ويرجع موندادوري بناء القصر إلى الحقبة البزنطية.
ان قصر التخزين بنالوت لا زال بحالة جيدة، ويقع مدخله الوحيد في الجهة الشمالية الشرقية. ويبلغ عرضه حوالي 1.10 م، وارتفاعه 2.10 م تقريبا، أما المدخل ذاته فيتكون من شكل شبه مستطيل، ويتمثل في ردهة يبلغ طولها حوالي 3.43 م، ويكتنفها من الجانبين سدة حجرية ملتصقة بالجدار. ويظهر في وسط هذا القصر بناء آخر، حيث ترتفع جدرانه إلى مستوى أعلى من جدران القصر. ويحيط هذا البناء ممر يبلغ عرضه حوالي 1.70م. وهذا المبنى كما هو بقية القصر مشكل من حجرات التخزين، التي تمثل خمسة طوابق في جهة من القصر، وفي الجهة الأخرى تتكون من ستة طوابق(انظر الشكل 6).
قصر نالوت من الداخل (غسرو نـ لالوت سـ جاج)
و ان ما يلفت النظر غياب الدرج الذي يوصل إلى الطوابق العليا من القصر، فلقد استعيض عنه بوضع قطع صغيرة من جذوع الأشجار في الجدران وكانت هذه القطع، ولا زالت، وسيلة الصعود إلى الحجرات. والطريقة الوحيدة للحصول على الحاجيات أو وضعها بالحجرات تعتمد على تسلق المرء لهذه القطع الخشبية حتى الحجرة المبتغاة، حيث يضع المتسلق قطعة من الخشب المستطيل فوق قطعتي الجذعين المثبتتين بأسفل مدخل الحجرة، ثم يستعمل الحبل لرفع أو انزال ما يبتغيه.
و تتميز حجرات قصر التخزين بشكلها المستطيل. ويبلغ عرض معظمها حوالي 1.75م بينما يبلغ ارتفاعها 1.65م تقريبا. ويوجد داخل اغلب الحجرات الجرار الكبيرة المستعملة لحفظ زيت الزيتون. وبما ان بعض هذه الجرار الكبيرة الحجم موجودة في حجرات يبلغ عرض مدخلها 85سم، وارتفاعها 1.10م فالأرجح إنها وضعت بهذه الحجرات قبل تسوية المدخل. هذا ان لم تكن فتحات الحجرات قد ضيقت في فترة ما وكل الحجرات مغطاة بأقبية برميلية، وأبوابها جميعا مصنوعة من جذوع الأشجار. أما ما نراه من الأبواب الخشبية المصقولة فهي حديثة العهد(انظر شكل 7-8). وتوجد في جميع الحجرات تقريبا فتحة صغيرة في الجدار المقابل لفتحة المدخل. ومهمتها توفير التهوية للحجرة، وتزويدها بقليل من الضوء. وهي ما تجعل الناظر إليها من خارج القصر، يفكر في استعمالها للمراقبة. ويجعله أيضا يشبه هذا القصر بالحصن.
و لقد استعمل في بناء القصر المواد المحلية المكونة من الطين والجبس وجذوع الأشجار. ولا يختلف هذا القصر في عناصره المعمارية الأساسية عن بقية قصور التخزين بجبل نفوسة. ويجدر بنا ان نوضح ان ما بأيدينا من مصادر تاريخية لا تسعفنا بتحديد تاريخ معين لبناء هذا القصر. وبغياب الأدلة التاريخية والأثرية تظل التواريخ المقترحة مشرعة على كل الاحتمالات.
و يبدو ان منطقة نالوت حظيت بنوع من الأهمية في العصر الروماني نتيجة لموقعها الجغرافي. وهذا لا يدعونا بالضرورة إلى قبول نظرية موندادوري، حول إرجاع تاريخ هذا القصر إلى الحقبة الرومانية أو البزنطية. ذلك ان رأيه لا يستند إلى دليل تاريخي أو اثري. ولكن من المؤكد ان قصر التخزين هذا كان قائما قبل العهد العثماني. وإرجاعه إلى القرون الإسلامية الأولى ربما سيدعمه ما سيتوفر من معلومات في هذا البحث. والذهاب إلى ابعد من ذلك يعتمد على شواهد لا يتوفر في الوقت الحالي.
نقلا عن كتاب بعض الآثار الإسلامية بجبل نفوسة في ليبيا