واليوم صارت أميركا تعاني من المخدرات التي تهدد زهرة شبابها، وقد رصدت الحكومة الفدرالية على إثر ذلك عشرات الملايين من الدولارات لمحاربة هذا الواقع. لكن، يبدو أن الأمر لا يقتصر على انتشار المخدرات في مجتمع يعاني من هذه الظاهرة منذ سنوات، لكن الأمر أصبح كأنه حرب كيميائية، على الأقل هكذا تراها واشنطن، وبهذا تتهم الطرف الثاني في هذه الحرب (بكين).
ففي أبريل/نيسان من العام الحالي، خلصت لجنة تتبع للكونغرس الأميركي إلى نتيجة مفادها أن الصين تعمل على ما وصفته بتأجيج أزمة المواد الأفيونية في الولايات المتحدة. في حين ردت السفارة الصينية في واشنطن على هذه الادعاءات وقالت إن محاولات واشنطن لاتهام بكين بأزمة الأفيون لن يعالج المشكلة، لأن الصين ليست سببها.
الأفيون الاستعماري
يعتبر استعمال المخدرات كسلاح لتدمير المجتمعات من الأسلحة القديمة. إذ يعد الأمر مغريا فوق العادة، فبجانب المنافع الاقتصادية التي توفرها تجارة المخدرات للطرف المُصدّر، تعمل هذه الأخيرة على خلق مجتمع رخو مفكك غير قادر على الإنتاج أو المواجهة أو خلق بيئة صحية لأي مشروع كان عند الطرف المستهلك.
وهذه الآلية قديمة، فاستعمال المخدرات ضد الأعداء هو أمر متعارف عليه، وسيقودنا إلى أحد الأمثلة "القذرة" المعروفة كما يصفها المؤرخون، وهي حرب الأفيون أو حروب الأفيون التي عاشتها الصين ضد خصومها الغربيين.
مع بداية القرن 19م كانت الصين تواجه أزمة أخلاقية واقتصادية كبيرة بسبب انتشار تجارة الأفيون غير المشروعة والتي كان يمارسها الإنجليز عبر "شركة الهند الشرقية" أداتهم الاستعمارية الأبرز التي أتاحت لهم الانتشار في آسيا.
كانت تجارة الأفيون قد استفحلت منذ بداية القرن 18م، إذ ليس هناك سبيل أفضل من إدمان المخدرات لفك أواصر المجتمع ونشر المشاكل الصحية والإجهاز على القوى العاملة، مما يجعل الدولة نفسها في مهب الريح.