انطلقت فعاليات الدورة الثانية من المؤتمر العلمي الدولي حول تراث غدامس تحت شعار (تراث غدامس بين التدوين والتثمين) على مسرح مدرسة الأمل الثانوية بغدامس الذي ينظمه مركز غدامس للأبحاث والدراسات وتوثيق التراث، وذلك تزامنا مع حلول السنة المائية ومرور 4019 عام على عمر مياه الخزان السطحي لعين الفرس جيولوجيا، ويستمر المؤتمر يوميّ 13 و14 من الشهر الجاري.
واستهل حفل الافتتاح بالنشيد الوطني ثم بقراءة آيات من الذكر الحكيم تلاها القارئ “أحمد محمود هيبة”، وقدم فقرات الحفل “لطفي عبد الحفيظ”، تلى ذلك كلمة الافتتاح التي ألقاها رئيس مركز غدامس للأبحاث والدراسات “مختار السنوسي حودة”، مؤكدا بأن من نتائج الدورة الثانية صدور كتاب يحمل في طياته جهود الباحثين المشاركين بالدورة الأولى، وأضاف إن المؤتمر اليوم يخطو الخطوة الثانية في خطة المشروع الوطني لتوثيق تراث مدينة غدامس، وأوضح بأن المؤتمر سيتمحور حول الموارد والعيون المائية وأنظمة توزيع المياه وكذلك تاريخ غدامس حول العصور وتابع، إن تاريخ وحضارة ليبيا أمانة في أعانقنا وواجبنا تدوين هذا التاريخ الذي سطره الآباء والأجداد وهدفنا ومسعانا هو نقله للجيل الحالي وللأجيال القادمة، كما ألقى الدكتور “قاسم المانع” عميد بلدية غدامس موجها تحيته لكل من ساهم في تنظيم هذا المؤتمر داعيا كافة الجهات المعنية بالدولة الليبية إلى الالتفات للإرث التاريخي العظيم الذي كان ولازال محط اهتمام العالم أجمع وبذل كل ما يمكن من جهد وتسخير كافة الإمكانات المادية والفنية للمحافظة عليه باعتباره إرثا ثقافيا شيّد الأجداد منذ آلاف السنين وداعيا أيضا المنظمة العالمية (اليونسكو) في الإسراع بإخراج مدينة غدامس من قائمة الحظر من اجمالي خمس مدن ليبية.
وفي سياق متصل أكد الدكتور “فوزي عقيل” في كلمة اللجنة العلمية بأن هذه المدينة امتدت في أعماق التاريخ لآلاف السنين مخلدة إرثا ثقافيا لا ينضب وغزارة في هندسة العمران والعمارة، وفي المقابل تم عرض نسخة قديمة من الشريط السينمائي(جوهرة الصحراء) وفق الطريقة الكلاسيكية الذي أنتج عام 1975م وصُوّر بالكامل في مدينة غدامس القديمة، وهو من إخراج “محسن طمزين” ويعد باكورة أعمال الهيئة العامة للخيالة وبثت مداخلة مسجلة للسيد “عادل الطمزيني” الطفل المشارك بالفيلم وقد تحدث عن ذكرياته أثناء كواليس التصوير، وصاحب فاعليات المؤتمر افتتاح معرض للصناعات التقليدية والحرفية.
وتخلل البرنامج العام للمؤتمر مشاركة حوالي 33 ورقة بحثية علمية من قبل مجموعة واسعة من الأساتذة والبحاث والأكاديميين من ليبيا وعدة دول عربية وأجنبية عبر تقنية تطبيق (الزووم)، وشارك “مختار حودة” رئيس مركز غدامس بورقة بعنوان (السنة المائية بغدامس- أبعاد ودلالات حضارية) وتناول المراحل التاريخية لمدينة غدامس عارضا بعض الرسومات التي تبيّن عمر المدينة والحقب والعصور والشواهد الدلالية مشيرا لأثر الحضارات المتعاقبة على المنطقة، واستشهد بروايات بعض المؤرخين والرحالة فضلا عن تطرقه لبحيرة (عين الفرس) وأصل تسميتها ومرادفها في اللهجات القديمة بالإضافة لرصده للأعمال والدراسات حولها .
وتناول الدكتور الموريتاني “محمد ولد بيج” ثقافة التراث اللامادي بمدينة غدامس في ضوء اتفاقية التراث اللامادي الصادرة عام 2003م مُعرِّفا بمواد الاتفاقية المذكورة ونصوصها وكذا المصطلحات التي يجب مناقشتها من خلال عناصر التراث غير المادي والجماعات والمجموعات والأفراد وأشار إلى أن إحدى مواد الاتفاقية تنص على أن التقاليد وأشكال التعبير الشفهي بما ذلك اللغة كواسطة للتعبير عن التراث الثقافي الغير المادي مثل الفنون وتقاليد أداء العروض والممارسات الاجتماعية والطقوس والاحتفالات وما نحوها، واستعرضت الأستاذة “ربيعة الطيب يدر” في ورقتها المعنونة بـ(إدارة الحياة كمصدر لاستدامة غدامس القديمة) موضحة بأن الهدف من التصميم المستدام هو جعل جميع الأنظمة تعمل معا في انسجام كامل وأيضا تعني أن تعيش الآن بطريقة لا تهدد بها حياة من هم بعدنا، مضيفة إن الاسم التاريخي لغدامس (لؤلؤة الصحراء) جاء نتيجة للأسلوب المعماري الغدامسي الفريد وتقنيات البناء التقليدية وحول مسألة الزراعة بالمدينة أردفت إن البساتين الخصبة مع أشجار النخيل التي تقف أكسبت الاسم التاريخي لمدينة غدامس (جوهرة الصحراء) وجعل الحزام الأخضر المحيط بالمدينة مكانا صالحا للسكن وأكدت في ختام ورقتها بأن حسن إدارة الموارد والمرافق في مدينة غدامس القديمة جعلها مثالا للمدن المستدامة عالميا ونموذجا فريدا في العمارة والتخطيط العمراني والمجتمعات المستدامة.
وأضاءت الدكتورة التونسية “كريمة خليفي” من خلال مشاركتها على الحركة التجارية في مدينة غدامس إبّان زمن حكم العائلة القرمانلية مشيرة للتحول النوعي الذي شهده الجانب الاقتصادي في هذه الفترة والمراوحة بين الركود والازدهار المرتبط بدرجة الأمن المتوفرة داخل طرابلس وحسب سياسة الحكم المعتمدة تجاه هذا القطاع الذي يستحق البحث فيه والتعمق أكثر أثناء فترة حكم القرمانليين داعيا لضرورة دراسة هذه الحقبة من التاريخ لاسيما فيما يتعلق بسياساتهم الموجهة تجاه التجارة الداخلية عامة وغدامس كمثال للمدن التجارية في مركز الصدارة، وعرّجت على أهمية مدينة غدامس كمحطة للقوافل التجارية ونقطة التقاء المسالك التجارية وهمزة وصل بين طرابلس والسودان وطرابلس وبلدان شمال إفريقيا.