تحت عنوان «قصة في دقيقة - من عالم العرفان»، نشر الأديب الليبي أحمد إبراهيم الفقيه نصًّا عن العاِلم والأديب المصري الراحل أحمد مستجير، يروي فيه قصة حقيقية وقعت لهما في المشاعر المقدسة بالمملكة العربية السعودية، في أوائل الألفية الثالثة، عن «درويش» صادفهما هناك وتنبأ بشيء مثير يقع للعاِلم المصري.
قال الفقيه: «أسعدني الحظ بالذهاب في رحلة إلى الرياض مع العاِلم، الشاعر، المفكر، الدكتور أحمد مستجير، تلبية لدعوة تلقيناها من مهرجان الجنادرية العام 2003، وكانت الرحلة والأيام التي قضيتها بصحبة هذا العالِم الجليل فرصة لأن أستفيد من علمه الموسوعي وأتلقى أرقى أنواع المتعة الفكرية من اتقاد عقله وجمال تعبيره ونبل سلوكه، وحصل أن تم ترتيب رحلة لكي نزور الأماكن المقدسة في يثرب ومكة».
وتابع: «كنت أسير معه قرب الحرم المكي عندما جاء شيخ يرتدي جلبابًا ناصع البياض، وفي يده عصا يتوكأ عليها، وقد جلل شعر رأسه ولحيته بياضًا أنصع من بياض الثوب، فبدا كأن هناك نورًا يضيء وجهه، واعترض الرجل طريقنا واستوقفنا في نصف الطريق، فبادر الدكتور مستجير إلى وضع يده في جيبه وأخرج أوراقًا نقدية ملء إلى د، ووضعها في يد الشيخ، فإذا بالرجل يقول إنه لم يطلب إحسانًا، فابتسم الدكتور عارضًا عليه خيار أن يحتفظ بالنقود إذا كان يحتاج إليها أو يعيدها إليه، فاختار الرجل الاحتفاظ بالنقود قائلاً إنه لا يحتاج إليها ولا يرى ضرورة لإعادتها، وطالما قصد بها صاحبها وجه الله، فهو سيقدمها لمَن هو بحاجة إليها، ثم هم بالمسير، لكنه التفت إلى الدكتور أحمد مستجير، قبل أن يبدل خطاه، قائلاً:
ــ ستجد هذا الذي قدمته، بانتظارك عند لقاء ربك.
ثم مضى خطوة إلى الأمام والتفت إليه مضيفًا:
ــ ولن يتأخر يوم الحصاد لهذا الخير، فلك أن تطمئن وتفرح.
ومضى خطوة ثانية وعاود الالتفات، قائلاً:
ــ لن يطول انتظارك أكثر من ثلاثة أعوام ونصف، وعندها ستجني بعون الله ما زرعت.
ثم اختفى الرجل كأنه لم يكن إلا طيفًا مصنوعًا من موجات النور والهواء».
وأضاف: «وجدته كلامًا يثير القلق والكدر، لأنه حديث عن النهايات ولقاء الله، وأشفقت على الدكتور مستجير، وشيعت بصري نحوه أريد أن أرى وقع هذا الكلام عليه، فإذا وجهه يفيض بشرًا وفرحًا ولا أثر للخوف مما قاله الشيخ الطيف، لكن سحابة سوداء من الهم حطت في قلبي فقلت أحاول أن أبددها مخاطبًا صديقي الدكتور: إنه كلام درويش ممن يرسلون الكلام على غير هدى، ويهرفون بما لا يعرفون ولا يقصدون. فأجابني الدكتور مستجير بأنه لم يجد في كلام الدرويش ما يضير أو يخيف وإذا كان معناه القدوم على الله فهو لا يخشى ذلك، بل يفرحه أن يقترن هذا القدوم بحصاد الخير الذي أشار إليه الشيخ. وعدنا إلى القاهرة، وإلى لقاءات متباعدة تجمعنا، لم أشر فيها إطلاقًا إلى تلك النبوءة، رغم أنها تملأ عقلي وقلبي، وكنت أضع يدي على صدري، أتضرع إلى الله أن يمر الموعد الذي ذكره الدرويش، دون أن يحصل مكروه لرجل النبوغ والعبقرية أحمد مستجير، ولكن في الموعد الذي ذكره الدرويش بالتمام والكمال، وبعد ثلاثة أعوام وستة أشهر بالضبط، سقط الدكتور أحمد مستجير صريع جلطة دماغية أودت بحياته، عليه رضوان الله».
والدكتور أحمد مستجير هو أديب ورائد علم الوراثة في مصر، وُلد في ديسمبر 1934 بقرية الصلاحات بمحافظة الدقهلية (شمال القاهرة)، وتوفي في 17 أغسطس 2006 عن عمر يناهز 72 عامًا.