بعدما نشرت «معزوفة الأوتار المزمومة» للكاتب والروائي الليبي ابراهيم الكوني (الصورة) قبل فترة، أصدرت «دار سؤال للنشر» (بيروت) كتاباً جديداً له بعنوان «أهل السّرى». في كتابه الجديد، يتابع صاحب رواية «التبر» (1990) سبر أغوار الصحراء، والوقوف على أحوال أهل السّرى، المسكونين بالترحال، مؤكدين بذلك حضورهم في الطبيعة التي هم طريدتها في الوقت عينه .
عبر مجموعة من الدراسات، والمقالات الفكرية، والتأملات الوجودية، وبعض الحوارات مع المؤلف، يحاول الكوني في «أهل السّرى» الغوص في العمق النفسي والفكري لهؤلاء الذين ضحّوا بحميمية العلاقة الفطرية مع أخيهم الإنسان، بغية الفوز بالحرية في حدّها الأدنى .
هكذا يسعى الكوني إلى فهم تاريخ العالم، المنقسم إلى عالمين منفصلين، بين أمّة المترحلين المتطلعين إلى الأفق، والزاهدين بقيم الملكية والسلطة وكلّ ما هو موجود في المكان، وأمّة المستقرين المتشبثين بالمكان والسيطرة والسلطة. هذا ما خلق صراعات يمكن عبرها تفسير العلاقة الإنسانية، وعلاقة الإنسان بالطبيعة «من روح الأيديولوجيا ولد الطاغوت، ومن روح الميثولوجيا ولد اللاهوت» .
يلجأ الكوني (1948) إلى المتناقضات لإيضاح ظاهرة السّرى لقارئ لا شكّ في أنه يقيم في المكان، ويجهل الكثير عن هذه العوالم، فيخبره أنّه إن كان «كابوس الفقراء ـ الأمل» فإنّ «كابوس الأغنياء ـ الملل». وإن كانت «فتنة البحر ـ الصوت» فإن «فتنة الصحراء ـ الصمت» .
وعبر ذلك، ينطلق ليشرح معنى الواقع الذي نسكنه، والواقع الذي يسكننا، مقدّماً للقارئ مفاتيح عديدة لفهم عوالمه الروائية، التي كانت الصحراء مكانها الأرحب، حيث استطاع منذ رباعيته «الخسوف» (1989) دحض النظرية القائلة بأن الرواية لا يمكن لها أن تكون خارج المدينة. في «أهل السّرى»، استطاع الكوني أن يؤسّس لأفكار يمكن من خلالها مقاربة عوالمه الروائية، وفهم آفاقها وأبعادها الوجودية والروحية .